فصل: ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  أخبار عمر بن عبد العزيز

بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف‏.‏

وهو ثامن خلفائهم وأم عمر بن عبد العزيز بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وأوصى إِليه بالخلافة سليمان بن عبد الملك لما اشتد مرضه بدابق وبويع عمر بن عبد العزيز بالخلافة في صفر من هذه السنة أعني سنة تسع وتسعين بعد موت سليمان‏.‏

إبطال عمر سب علي إبطال عمر بن عبد العزيز سب علي بن أبي طالب على المنابر كان خلفاء بني أمية يسبون علياً رضي الله عنه من سنة إِحدى وأربعين وهي السنة التي خلع الحسن فيها نفسه من الخلافة إلى أول سنة تسع وتسعين آخر أيام سليمان بن عبد الملك فلما ولي عمر أبطل ذلك وكتب إِلى نوابه‏:‏ بإبطاله ولما خطب يوم الجمعة أبدل السب في آخر الخطبة بقراءة قوله تعالى ‏(‏إِن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تذكرون‏)‏ ‏(‏النمل‏:‏ 90‏)‏ فلم يسب علي بعد ذلك‏.‏

واستمرت الخطباء على قراءة هذه الآية ومدحه كثير بن عبد الرحمن الخزاعي فقال‏:‏ وقلتَ فصدقتَ الذي قلتَ بالذي فعلتَ فأضحى راضياً كل مسلم

ثم دخلت سنة مائة وسنة إِحدى ومائة

 

وفاة عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه

وفي هذه السنة أعني سنة إِحدى ومائة توفي عمر بن عبد العزيز لخمس بقين من رجب يوم الجمعة بخناصرة ودفن بدير سمعان وقيل‏:‏ توفي بدير سمعان ودفن به قال القاضي جمال الدين بن واصل مؤلف التاريخ المنقول هذا الكلام منه‏:‏ والظاهر عندي أن دير سمعان هو المعروف الآن بدير النقيرة من عمل معرة النعمان وأن قبره هو هذا المشهور وكان موته بالسم عند أكثر أهل النقل فإِن بني أمية علموا أنه إِن امتدت أيامه أخرج الأمر من أيديهم وأنه لا يعهده بعده إِلا لمن يصلح للأمر‏.‏

فعالجوه وما أمهلوه وكان مولده بمصر على ما قيل سنة إِحدى وستين وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وكان عمره أربعين سنة وأشهراً وكان في وجهه شجة من رمح دابة وهو غلام ولهذا كان يدعى بالأشج وكان متحرياً سيرة الخلفاء الراشدين‏.‏

أخبار يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهو تاسعهم وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بويع بالخلافة لما مات عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إِحدى ومائة بعهد من سليمان بن عبد الملك إِليه بعد عمر‏.‏

وفي أيام يزيد بن عبد الملك خرج يزيد بن المهلب بن أبي صفرة واجتمع إِليه جمع وأرسل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فقاتله وقتل يزيد بن المهلب وجميع آل المهلب بن أبي صفرة وكانوا مشهورين بالكرم والشجاعة وفيهم يقول الشاعر‏:‏ نزلت على آل المهلب شاتياً غريباً عن الأوطان في زمن المحل فما زال بي إِحسانهم وافتقادهم وبرهم حتى حسبتهم أهلي

 

ثم دخلت سنة اثنتين ومائة

فيها أعني في سنة اثنتين ومائة توفي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وعبيد الله المذكور هو ابن أخي عبد الله بن مسعود الصحابي وهؤلاء الفقهاء السبعة هم الذين انتشر عنهم الفقه والفتيا وقد نظم بعض الفضلاء ألا كُلّ من لا يقتدي بأئمة فقسمته ضيزى عن الحق خارجه فخذهم عبيد الله عروة قاسم سعيد سليمان أبو بكر خارجه ولنذكرهم على ترتيبهم في النظم فأولهم عبيد الله المذكور وكان من أعلام التابعين ولقي خلقاً كثيراً من الصحابة‏.‏

الثاني عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي أبوه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأم عروة أسماء بنت أبي بكر وهي ذات النطاقين وهو شقيق عبد الله بن الزبير الذي تولى الخلافة وتوفي عروة المذكور في سنة ثلاث وتسعين للهجرة وقيل أربع وتسعين وكان مولده سنة اثنتين وعشرين‏.‏

الثالث قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وكان من أفضل أهل زمانه وأبوه محمد بن أبي بكر الذي قتل بمصر على ما شرحنا‏.‏

الرابع سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر وتوفي في سنة إِحدى وقيل اثنتين وقيل ثلاث وقيل أربع وقيل خمس وتسعين‏.‏

الخامس سليمان بن يسار مولي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عباس وعن أبي هريرة وأم سلمة وتوفي في سنة سبع ومائة وقيل غير ذلك وعمره ثلاث وسبعون سنة‏.‏

السادس أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي وكنيته اسمه كان من سادات التابعين وسمي راهب قريش وجده الحارث هو أخو أبي جهل بن هشام وتوفي أبو بكر المذكور في سنة أربع وتسعين للهجرة وولد في خلافة عمر بن الخطاب‏.‏

السابع خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري وأبوه زيد بن ثابت من أكابر الصحابة الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه أفرضكم زيد‏.‏

وتوفي خارجة المذكور في سنة تسع وتسعين للهجرة وقيل سنة مائة بالمدينة وأدرك زمن عثمان ابن عفان فهؤلاء السبعة هم المعروفون بفقهاء المدينة السبعة وانتشرت عنهم الفتيا والفقه وكان في زمانهم من هو في طبقتهم في الفضيلة ولم يذكر معهم مثل سالم ابن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب وغيره وتوفي سالم المذكور في سنة ست ومائة وقيل غير ذلك وكان من أعلام التابعيين أيضاً وقد ذكر في موضع آخر وفاة بعض المذكورين وإنما ذكرناهم جملة لأنه أقرب للضبط

 

ثم دخلت سنة ثلاث وسنة أربع وسنة خمس ومائة

وفاة يزيد بن عبد الملك وفيها أعني سنة خمس ومائة لخمس بقين من شعبان توفي يزيد بن عبد الملك وعمره أربعون سنة وقيل غير ذلك وكانت مدة خلافته أربع سنين وشهراً وكان يزيد المذكور قد عهد بالخلافة إِلى أخيه هشام ثم من بعده إِلى ابنه الوليد ابن يزيد بن عبد الملك‏.‏

وكان يزيد صاحب لهو وطرب وهو صاحب حبابة وسلامة القس وكان مغرماً بهما جداً وماتت حبابة فمات بعدها بسبعة عشر يوماً وإنما سميت سلامة القس لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمار كان يسمى القس لعبادته وكان فقيهاً فمرّ بمنزل أستاذ سلامة فسمع غناءها فهويها وهويته واجتمعا فقالت له سلامة‏:‏ إِني أحبك فقال‏:‏ وأنا أيضاً‏.‏

وقالت‏:‏ وأشتهي أن أقبلك‏.‏

قال‏:‏ وأنا أيضاً‏.‏

فقالت له‏:‏ ما يمنعك‏:‏ قال تقوى الله وقام وانصرف عنها فسميت سلامة القس بسبب عبد الرحمن المذكور‏.‏

أخبار هشام بن عبد الملك وهو عاشرهم وكان عمره لما ولي الخلافة أربعاً وثلاثين سنة وأشهراً وكان هشام بالرصافة لما مات يزيد بن عبد الملك في دويرة له صغيرة فجاءته الخلافة على البريد فركب من الرصافة وسار إِلى دمشق‏.‏

 

ثم دخلت سنة ست ومائة وما بعدها

حتى دخلت سنة عشر ومائة فيها توفي الإمام المشهور الحسن بن أبي الحسن البصري وكان مولده في خلافة عمر بن الخطاب وهو من أكابر التابعين‏.‏

وفيها توفي محمد بن سيرين وكان أبوه سيرين عبداً لأنس بن مالك فكاتبه أنس على مال وحمله سيرين وعتق وكان من سبي خالد بن الوليد وروى محمد بن سيرين المذكور عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وغيرهم وكان من كبار التابعين وله اليد الطولى في تعبير الرؤيا‏.‏

 

ثم دخلت سنة إِحدى عشرة ومائة

ودخلت سنة اثنتي عشرة ومائة وما بعدها

حتى دخلت سنة ست عشرة ومائة فيها توفي الباقر محمد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المقدم ذكره وقيل كانت وفاته سنة أربع عشرة وقيل سنة سبع عشرة وقيل سنة ثماني عشرة ومائة وكان عمر الباقر المذكور ثلاثاً وسبعين سنة وأوصى أن يكفن بقميصه الذي كان يصلي فيه وقيل له الباقر‏:‏ لتبقره في العلم أي توسعه فيه وولد الباقر المذكور في سنة سبع وخمسين وكان عمره لما قتل جده الحسين ثلاث سنين وتوفي بالحميمة من الشراة ونقل ودفن بالبقيع‏.‏

 

ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة

فيها أعني في سنة سبع عشرة وقيل سنة عشرين ومائة توفي نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب أصابه عبد الله في بعض غزواته وكان نافع من كبار التابعين سمع مولاه عبد الله وأبا سعيد الخدري وروى عن نافع الزهري ومالك بن أنس وأهل الحديث يقولون‏:‏ رواية الشافعي عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب لجلالة كل واحد من هؤلاء الرواة‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثماني عشرة ومائة وسنة تسع عشرة ومائة

فيها غزا المسلمون بلاد الترك فانتصروا وغنموا أشياء كثيرة وقتلوا من الأتراك مقتلة عظيمة وقتلوا خاقان ملك الترك وكان المتولي لحرب الترك أسد بن عبد الله القسري‏.‏

 

ثم دخلت سنة عشرين ومائة

فيها توفي أبو سعيد عبد الله بن كثير أحد القراء السبعة‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة

فيها غزا مروان بن محمد بن مروان وكان على الجزيرة وأرمينية بلاد صاحب السرير فأجاب صاحب السرير إِلى الجزية في كل سنة سبعين ألف رأس يؤديها‏.‏

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم فافتتح حصونها وغَنمَ‏.‏

وفيها غزا نصر بن سيار بلاد ما وراء النهر وقتل ملك الترك ثم مضى إِلى فرغانة فسبى بها سبياً كثيراً‏.‏

وفيها أعني سنة إِحدى وعشرين وقيل اثنتين وعشرين ومائة خرج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم بالكوفة ودعا إلى نفسه وبايعه جمع كثير وكان الوالي على الكوفة من قبل هشام يوسف بن عمر الثقفي فجمع العسكر وقاتل زيداً فأصاب زيداً سهم في جبهته فأدخل بعض الدور ونزعوا السهم من جبهته ثم مات‏.‏

ولما علم يوسف بن عمر بمقتله تطلبه حتى دل عليه واستخرجه وصلب جثته وبعث برأسه إِلى هشام بن عبد الملك فأمر بنصب الرأس بدمشق ولم تزل جثته مصلوبة حتى مات هشام وولي الوليد فأمر بحرق جثته فأحرقت وكان عمر زيد لما قتل اثنتين وأربعين سنة‏.‏

 

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائة

فيها توفي إِياس بن معاوية بن قرة المزني المشهور بالفراسة والذكاء وكان ولي قضاء البصرة في أيام عمر بن عبد العزيز‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة

وسنة أربع وعشرين ومائة فيها وقيل غير ذلك توفي محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي وعمره ثلاث وسبعون سنة المعروف بالزُهري بضم الزاي المنقوطة وسكون الهاء وبعدها راء هذه النسبة إلى زهرة بن كلاب بن مرة وكان الزُهري المذكور من أعلام التابعين رأى عشرة من أصحاب النبي وروى عن الزهري المذكور جماعة من الأئمة مثل مالك وسفيان الثوري وغيرهما وكان الزهري إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله مشتغلا بها عن كل أحد فقالت له زوجته‏:‏ والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر‏.‏

 

ثم دخلت سنة خمس وعشرين ومائة

وفاة هشام وفي هذه السنة أعني سنة خمس وعشرين ومائة توفي هشام بن عبد الملك بالرصافة لست خلون من ربيع الأول فكانت مدة خلافته تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وكسراً وكان مرضه الذبحة وكان عمره خمساً وخمسين سنة ولما مات طلبوا له ما يسخنون فيه الماء فلم يعطهم عياض كاتب الوليد ما يسخنون فيه الماء فإِنه ختم على جميع موجوده للوليد فاستعاروا له من الجيران قمقساً لتسخين الماء ودفن بالرصافة وكان أحول بين الحول وخلف عدة بنين منهم معاوية أبو عبد الرحمن الذي دخل الأندلس وملكها لما زال ملك بني أمية وكان هشام حازماً سد يد الرأي غزير العقل عالماً بالسياسة واختار هشام الرصافة وبناها وإليه تنسب فيقال رصافة هشام وكانت مدينة رومية ثم خرجت وهي صحيحة الهواء وإنما اختارها لأن خلفاء بني أمية كانوا يهربون من الطاعون وينزلون في البرية فأقام هشام بالرصافة وهي في تربة صحيحة وابتنى بها قصرين وكان بها دير معروف‏.‏

 

أخبار الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان

وهو حادي عشر خلفاء بني أمية لما مات هشام نفذت الكتب إِلى الوليد وكان الوليد مقيماً في البريّة بالأزرق خوفاً من هشام وكان الوليد وأصحابه في ذلك الموضع في أسوأ حال ولما اشتد به الضيق أتاه الفرج بموت هشام وكانت البيعة للوليد يوم الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الآخر من هذه السنة أعني سنة خمس وعشرين ومائة وعكف الوليد على شرب الخمر وسماع الغناء ومعاشرة النساء وزاد الناس في أعطيتهم عشرات ثم زاد أهل الشام بعد زيادة العشرات عشرة أخرى ولم يقل في شيء سُئله لا‏.‏

انتهى اَلنقل من تاريخ القاضي جمال الدين بن واصل وابتدأت من هنا من تاريخ ابن الأثير الكامل وفي هذه السنة أعني سنة خمس وعشرين ومائة توفي القاسم بن أبي برة وهو من المشهورين بالقراءة‏.‏

 

ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائة

فيها سلم الوليد بن يزيد بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري‏.‏

إِلى يوسف بن عمر عامله على العراق فعذبه وقتله‏.‏

بن عبد الملك في هذه السنة قتل الوليد قتله يزيد بن الوليد بن عبد الملك الذي يقال له يزيد الناقص وكان مقتله في جمادى الآخرة سنه ست وعشرين ومائة بسبب كثرة مجونه ولهوه وشربه الخمر ومنادمة الفساق فثقل ذلك على الرعية والجند وأذى بني عميه هشام والوليد فرموه بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه ودعا يزيد إلى نفسه واجتمعت عليه اليمانية ونهاه أخوه العباس بن الوليد بن عبد الملك عن ذلك وتهدده فأخفى يزيد الأمر عن أخيه وكان يزيد مقيماً بالبادية لوخم دمشق فلما اجتمع له أمره قصد دمشق متخفياً في سبعة نفر وكان بينه وبينها مسيرة أربعة أيام ونزل بجيرود على مرحلة من دمشق ثم دخل دمشق ليلاً وقد بايع له أكثر أهلها وكان عامل الوليد على دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجاج وجاء الوباء بدمشق فخرج منها ونزل قرية قطنا وظهر يزيد في دمشق واجتمعت عليه الجند وغيرهم وأرسل إِلى قطنا مائتي فارس فأخذوا عبد الملك المذكور عامل الوليد على دمشق بالأمان ثم جهز يزيد جيشاً إِلى الوليد بن زيد بن عبد الملك ومقدمهم عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ولما ظهر يزيد بن الوليد بدمشق سار بعض موالي الوليد إِليه وأعلمه وهو بالأغذف من عمان فسار الوليد حتى أتى البحرة إِلى قصر النعمان بن بشير ونازله عبد العزيز وجرى بينه وبين الوليد قتال كثير وقصد العباس بن الوليد بن عبد الملك أخوه يزيد المذكور اللحوق بالوليد ونصرته على أخيه فأرسل عبد العزيز منصور بن جمهور إلى العباس فأخذه قهراً وأتى به إِلى عبد العزيز فقال له‏:‏ بايع لأخيك فبايع ونصب عبد العزيز راية وقال‏:‏ هذه راية العباس قد بايع لأمير المؤمنين يزيد فتفرق الناس عن الوليد فركب الوليد بمن بقي معه وقاتل قتالاً شديداً ثم انهزم عنه أصحابه فدخل القصر وأغلقه وحاصروه ودخلوا إِليه وقتلوه واحتزوا رأسه وسيروه إلى يزيد بن الوليد فسجد يزيد شكراً لله ووضع الرأس على رمح وطيف به في دمشق وكان قتله لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة فكانت مدة خلافته سنة وثلاثة أشهر وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وقيل غير ذلك وكان الوليد من فتيان بني أمية وظرفائهم منهمكاً في اللهو والشرب وسماع الغناء‏.‏

 أخبار يزيد بن الوليد بن عبد الملك

وهو ثاني عشر خلفائهم استقر يزيد الناقص في الخلافة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة وسمي يزيد الناقص لأنه نقص الناس العشرات التي زادها الوليد وقررهم على ما كانوا عليه أيام هشام ولما قتل الوليد وتولى يزيد الخلافة خالفه أهل حمص وهجموا دار أخيه العباس بحمص ونهبوا ما بها وسلبوا حرمه وأجمعوا على المسير إِلى دمشق لحرب يزيد فأرسل إِليهم يزيد عسكراً والتقوا قرب ثنية العقاب فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم أهل حمص واستولى عليها يزيد وأخذ البيعة عليهم‏.‏

ثم اجتمع أهل فلسطين فوثبوا على عامل يزيد فأخرجوه من فلسطين وأحضروا يزيد بن سليمان بن عبد الملك فجعلوه عليهم ودعا الناس إِلى قتال يزيد الناقص فأجابوه إِلى ذلك وبلغ يزيد ذلك فأرسل إِليهم جيشاً مع سليمان بن هشام ابن عبد الملك ووعد كبراء فلسطين ومناهم فتخاذلوا عن صاحبهم فلما قرب منهم الجيش تفرقوا وقدم جيش سليمان في أثر يزيد بن سليمان بن عبد الملك فنهبوه وسار سليمان بن هشام بن عبد الملك حتى نزل طبرية وأخذ البيعة بها ليزيد الناقص ثم سار حتى نزل الرملة وأخذ البيعة على أهلها أيضاً للمذكور‏.‏

ثم أن يزيداً عزل يوسف بن عمر عن العراق واستعمل عليه منصور بن جمهور وضم إِليه مع العراق خراسان فامتنع نصر بن سيار في خراسان ولم يجب إِلى ذلك ثم عزل يزيد بن الوليد منصور بن جمهور عن العراق وولاها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة ست وعشرين ومائة أظهر مروان بن محمد الخلاف ليزيد بن الوليد‏.‏

وفاة يزيد بن الوليد بن عبد الملك

وفي هذه السنة توفي يزيد الناقص المذكور لعشر بقين من ذي الحجة وكانت خلافته خمسة أشهر واثني عشر يوماً وكان موته بدمشق وكان عمره ستاً وأربعين سنة وقيل ثلاثون سنة وقيل غير ذلك‏.‏

وكان أسمر طويلاً صغير الرأس جميلاً ولما مات يزيد بن الوليد قام بالأمر بعده إبراهيم أخوه وهو ثالث عشر خلفائهم غير أنه لم يتم له الأمر وكان يسلم عليه بالخلافة تارة وتارة بالإمارة فمكث أربعة أشهر وقيل سبعين يوماً‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائة

فيها سار مروان بن محمد بن مروان بن الحكم أمير ديار الجزيرة إِلى الشام لخلع إبراهيم بن الوليد ولما وصل إِلى قنسرين اتفق معه أهلها وساروا معه ولما وصل مروان إِلى حمص بايعه أهلها وصاروا معه أيضاً ولما قرب مروان من دمشق بعث إِبراهيم إِلى قتاله الجنود مع سليمان بن هشام بن عبد الملك وكانت عدتهم مائة وعشرين ألفاً وعدة عسكر مروان بن محمد ثمانين ألفاً فاقتتلوا من ارتفاع النهار إلى العصر وكثر القتل بينهم وانهزم عسكر إبراهيم ووقع القتل فيهم والأسر وهرب سليمان فيمن هرب إلى دمشق واجتمعوا مع إِبراهيم وقتلوا ابني الوليد بن يزيد وكانا في السجن ثم هرب إبراهيم واختفى ونهب سليمان بن هشام بيت المال وقسمه في أصحابه وخرج من دمشق‏.‏

بيعة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم

وهو رابع عشر خلفاء بني أمية وآخرهم وفي هذه السنة أعني سنة سبع وعشرين ومائة بويع لمروان المذكور في دمشق بالخلافة ولما استقر له الآمر رجع إِلى منزله بحران وأرسل إِبراهيم المخلوع بن الوليد وسليمان بن هشام فطلبا من مروان الأمان فأمنهما فقدما عليه ومع سليمان أخوته وأهل بيته فبايعوا مروان بن محمد‏.‏

وفي هذه السنة عصي أهل حمص على مروان فسار مروان من حران إلى حمص وقد سد أهلها أبوابها فأحدق بالمدينة ثم فتحوا له الأبواب وأظهروا طاعته ثم وقع بينهم قتال فقتل من أهل حمص مقتلة وهدم بعض سورها وصلب جماعة من أهلها‏.‏

ولما فتح حمص جاءه الخبر بخلاف أهل الغوطة وأنهم ولوا عليهم يزيد بن خالد القسري وأنهم قد حصروا دمشق فأرسل مروان عشرة آلاف فارس مع أبي الورد بن الكوثر وعمرو بن الصباح وساروا من حمص ولما وصلوا إلى قرب دمشق حملوا على أهل الغوطة وخرج من بالبلد عليهم أيضاً فانهزم أهل الغوطة ونهبهم العسكر وأحرقوا المزة وقرى غيرها‏.‏

ثم عقيب ذلك خالفت أهل فلسطين ومقدمهم ثابت بن نعيم فكتب مروان إِلى أبي الورد يأمره بالسير إليه فسار إِليه وهزمه على طبرية ثم اقتتلوا على فلسطين فانهزم ثابت بن نعيم وتفرق أصحابه وأسر ثلاثة من أولاده فبعث بهم أبو الورد إِلى مروان وأعلمه بالنصر‏.‏

ثم سار مروان بن محمد إِلى قرقيسيا فخلعه سليمان بن هشام بن عبد الملك واجتمع إِليه من أهل الشام سبعون ألفاً وعسكر بقنسرين وسار إِليه مروان من قرقيسيا والتقوا بأرض قنسرين وجرى بينهم قتال شديد ثم انهزم سليمان بن هشام وعسكره واتبعهم خيل مروان يقتلون ويأسرون فكانت القتلى من عسكر سليمان تزيد على ثلاثين ألفاً ثم إِن سليمان وصل إِلى حمص واجتمع إِليه أهلها وبقية المنهزمين فسار إِليهم مروان وهزمهم ثانية وهرب سليمان إلى تدمر وعصى أهل حمص فحاصرهم مروان مدة طويلة ثم طلبوا الأمان وسلموا إِلى مروان من كان عليهم من الولاة من جهة سليمان فأجابهم إِلى ذلك ومنهم‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة سبع وعشرين ومائة مات محمد بن واسع الأزدي الزاهد‏.‏

وفيها مات عبد الله بن إسحاق‏.‏

مولى الحضرمي من خلفاء عبد شمس وكنيته أبو بحر وكان إِماماً في النحو واللغة وكان يعيب الفرزدق في شعره وينسبه إلى اللحن فهجاه الفرزدق بقوله‏:‏ ولو كان عبد الله مولى هجوته ولكن عبد الله مولى مواليا

  ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائة

فيها أرسل مروان بن محمد يزيد بن هبيرة إِلى العراق لقتال من به من الخوارج وكان بخراسان نصر بن سيار والفتنة بها قائمة بسبب دعاة بني العباس‏.‏

وفيها مات عاصم بن أبي النجود صاحب القراة والنجود الحمارة الوحشية‏.‏

ظهور دعوة بني العباس

  ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة

فيها ظهرت دعوة بني العباس بخراسان وكان يختلف أبو مسلم الخراساني من خراسان إلى إِبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان يُسمى إِبراهيم الإمام ومنه إلى خراسان ليستلم منه إِبراهيم الأحوال فلما كانت هذه السنة استدعى إِبراهيم أبا مسلم من خراسان فسار إِليه ثم أرسل إليه إِبراهيم أن ابعث إِلي بما معك من المال مع قحطبة وارجع إلى أمرك من حيث وافاك كتابي ووافاه الكتاب بقومس فامتثل أبو مسلم ذلك وأرسل ما معه إِلى إِبراهيم مع قحطبة ورجع أبو مسلم إلى خراسان فلما وصل إِلى مرو أظهر الدعوة لبني العباس فأجابه الناس وأرسل إِلى بلاد خراسان بإظهار ذلك وذلك بعد أن كان قد سعى في ذلك سراً مدة طويلة ووافقه الناس في الباطن وأظهروا ذلك في هذه السنة وجرى بين أبي مسلم وبين نصر بن سيار أمير خراسان من جهة بني أمية مكاتبات ومراسلات يطول شرحها ثم جرى بينهما قتال فقتل أبو مسلم بعض عمال نصر بن سيار على بعض بلاد خراسان واستولى على ما بأيديهم وكان أبو مسلم من أهل خطرنية من سواد الكوفة وكان قهرماناً لإِدريس معقل العجلي ثم صار إِلى أن ولاه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمر في استدعاء الناس في الباطن ثم مات محمد فولاه ابنه إِبراهيم الإمام بن محمد ذلك ثم الأئمة من ولد محمد ولما قوى أبو مسلم على نصر بن سيار ورأى نصر أن أمر أبي مسلم كلما جاء في قوة كتب إلى مروان بن محمد يعلمه بالحال وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكتب أبيات شعر وهي‏:‏ أرى تحتَ الرماد وميضَ نارٍ وأوشك أن تكون لها ضرامُ فإِن لم يُطفها عقلاءُ قوم يكون وقودها جثث وهامُ فقلت من التعجب ليتَ شعري أأيقاظ أمية أم نيامُ وكان مقام إِبراهيم الإمام وأهله بالشراة من الشام بقرية يقال لها الحميمة والحميمة بضم الحاء المهملة وميم مفتوحة وياء مثناهْ من تحتها ساكنة ثم ميم وهاء هي عن الشوبك أقل من مسيرة يوم بينها وبين الشوبك وادي موسى وهي من الشوبك قبلة بغرب وتلك البقعة التي هي من الشوبك إِلى جهة الغرب والقبلة يقال لها الشراة‏.‏

ولما بلغ مروان الحال أرسل إِلى عامله بالبلقاء أن يسير إِليه إبراهيم بن محمد المذكور فشدّه وثاقاً وبعث به إِليه فأخذه مروان وحبسه في حران حتى مات إِبراهيم في حبسه وكان مولده في سنة اثنتين وثمانين‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة

في هذه السنة دخل أبو مسلم مدينة مرو ونزل في قصر الإمارة في ربيع الآخر وهرب نصر بن سيار من مرو ثم وصل قحطبة من عند الإمام إِبراهيم بن محمد إِلى أبي مسلم ومعه لواء كان قد عقده له إِبراهيم فجعل أبو مسلم قحطبة في مقدمته وجعل إِليه العزل والاستعمال وكتب إلى الجنود بذلك‏.‏

وفيها أعني سنة ثلاثين ومائة وقيل سنة ست وثلاثين توفي ربيعة الرأي ابن فروج فقيه أهل المدينة أدرك جماعة من الصحابة وعنه أخذ العلم الإمام مالك‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحدى وثلاثين ومائة

فيها مات نصر بن سبار بساوة قرب الري وكان عمره خمساً وثمانين سنة وفيها أيضاً توفي أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال المعتزلي وكان مولده سنة ثمانين للهجرة وكان يشتغل على الحسن البصري ثم اعتزل عنه وخالف في قوله في أصحاب الكبائر من المسلمين أنهم ليسوا مؤمنين ولا كافرين بل لهم منزلة بين المنزلتين فسمي وأصحابه معتزلة وكان واصل المذكور يلثغ بالراء ويتجنب اللفظ بالراء في كلامه حتى ذكر نعم تجنب لا يوم العطاء كما تجنب ابن عطاء لثغة الراء ولم يكن واصل بن عطاء غزّالا وإنما كان يلازم الغّزالين ليعرف المتعففات من النساء فيحمل صدقته لهن‏.‏

وفيها أعني سنة إِحدى وثلاثين ومائة توفي بالبصرة مالك بن دينار من موالي بني أسامة بن ثور القرشي العالم الناسك الزاهد المشهور وما أحسن ما وري باسم مالك المذكور واسم أبيه دينار بعض الشعراء في ملك اقتتل مع أعدائه وانتصر عليهم وأسر الرجال وفرق الأموال فقال‏:‏ أعتقت من أموالهم ما استعبدوا وملكتُ رقهم وهم أحرارُ حتى غدا من كان منهم مالكا متمنياً لو أنه دينار

 ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائة

في هذه السنة سار قحطبة في جيش كثيف من خراسان طالباً يزيد بن هبيرة أمير العراق من جهة مروان آخر خلفاء بني أمية وسار حتى قطع الفرات والتقيا فانهزم ابن هبيرة وعدم قحطبة فقيل غرق وقيل وجد مقتولاً وقام بالأمر بعده ابنه الحسن بن قحطبة‏.‏